قبل العرس بأيام اعتاد أهل القرية على السهر والغناء فيما يسمونه بالتعاليل، وهذه الليالي قد تطول أو تقصر حسب قدرة أهل العريس، ولكنها في الغالب ما تكون أسبوعا تبدأ يوم السبت ليلة الأحد لتنتهي ليلة الجمعة، وهو يوم العرس والزفة. وكانت تقام هذه التعاليل على البيادر أو في الديوان (المضافة) وفي هذه الليالي تتجلى روعة الريف وتعاون أبنائه.
ففي النهار تنطلق النساء فيما يسمى (العونة) إلى جمع الحطب من أجل إشعاله في ليالي التعليلة، وكذلك يقمن بنقل الماء من نبع القرية إلى مكان التعليلة.
وما أن ينتهي الرجال من صلاة المغرب، أو العشاء حتى يتوافدوا إلى مكان التعليلة. فتشعل النار ويبدأ الغناء والدبكة والسحجة. ولا يتخلف الناس في القرية عن المشاركة كبارا وصغارا، وتستمر التعليلة حتى منتصف الليل، وهكذا.
وقد يأتي شباب من القرى المجاورة للمشاركة في التعاليل، فينطلقون من قريتهم في (جوفية) بالأغاني حتى يصلوا إلى مكان التعليلة، وهنا يستقبلهم أهل الفرح بالغناء والترحيب، ويقدمون لهم العَشاء.
ومن أبرز فقرات احتفال الرجال بالتعليلة (السحجة، الدبكة) والسحجة تمارس على أكثر من صورة. يقف صف من الرجال متراصين يصفقون ويرددون مقطعا رئيسيا مثل : يا حلالي يا مالي، بينما يقوم قويل بالغناء المتواصل على نغم المقطع الرئيسي:
اسمع لقولي يا صديق وقولي عن مثلك حقيق
لا أنا كتبتو في ورق ولا تعلمتو من صديق
يا ولي من بحر فكري نشيته من راسي حقيق
أنا مبارح كنت سارح خايف من نشاف الريق
يا ولي الزين ملاقيني وحاططلو ع راسو بريق
قلتلو يا زين اسقيني قلي والله ما بسقيك
ويش السبب هذا عجيب وهذا مش أملنا فيك
بعد ما سقاني وخلاني ما جرح قلبي إلا التفريق
يا قلبي اسمع رضائي الله ربي ينجيك
بنت النذل لا تخذها لو ريقها عسل جوا ابريق
يجي ولدها مخول ينهزم من نص الطريق
في هذه السحجة المصاحبة للأغنية السابقة مثلا يردد الدجال بين المقطع والآخر قولهم: يا حلالي يا مالي فإذا ما تعب الرجال من السحجة، وقف الجميع يستمتعون بالميجنا والعتابا والمواويل والتي يدور معظمها حول الغزل والمديح مثل:
شوف البنت عم تقرا بحجابها
وعن كل البشر بيها حجبها
بغمزة عينها ولفتة حاجبها
بتسوى كل بنات العرب
ومن المديح
يا (حاج محمد) يا تبر بالكيس طيب
واصلك من حمولة وبيت طيب
واللي يخالفك ما يظل طيب
يموت وينحرم شم الهوى
ثم يندفع الشباب ليصطفوا في حلقة الدبكة على صوت الشبابة الرائع تصاحب حركات أرجلهم وميل أجسادهم وقفزاتهم، تصاحبها الأغاني الرائعة الجميلة.. ومن الدبكات المعروفة في بلاطة (الطياره) و (الطيراويه) و (الشماليه). وهناك دبكة خاصة قلة منهم يعرفها تسمى (القراديه) تصاحبها أغنية ذات إيقاع خاص, ومن أغنيات الدبكة الدلعونا، ويا زريف الطول.
ومما يقال في الدلعونا:
قـديـــش قلـتـلك ع الغــربــــة لا اتروح عـودت عيني عالبكـــــــا والنـــوح
سنة وست شهور على الفرشة مطروح لا يجــــــو حبايبي ولا يزورونـــــا
********
يا طير الطاير يا طير الطاير سلم على أهلي واحمل بشاير
انشا الله عبلادو راجع لمسافر وتتكحل عينو بمرأ اللي حبونا
********
يالله يا إعمي اقمارك عميتي قماري بطلت أعــــرف بوابة داري
إنــــكــــنـــــك علــي مـــــرة بتغاري أنــــــا صرت مجنونـــــــــا
ومما يقال على زريف الطول:
يا زريف الطول لما انــــــك مريــت اظلوع الصدر مــني حليت
وانا اللي طول عمري يا حبيبي اتمنيت خضر أبو العباس يجمع شملنا
يا زريف الطول طالــــــــــــع سلمــــــو من عثرات البين يا ربي سلمو
تاكلمــــــــــــو كلمتين صغار من روس الشفايف
ويغني جفرا فيقول:
جفـــــــرا وياها الربع وتخبز ع الصاجي
مدكوكتن ع الصدر خرفـان ونعـــاج
لا تزعلن يا ها السمر والـــبيض غناجي
والبيض شحم القلــب والسمر عينــــاي
ومن أغاني القرادية
ع العميم ع العمام بيضه وسمرا يا سلام
ع العميم وع الحبوس حيرتيني منين أبوس
مديت إيدي ع المحروس رفرف يا طير الحمام
ع الــعـمـيـم قالـتـلـــي وزرار البدلـة حـلـتـلــي
بدي شب مروتلــي من المغرب نفرش ونام
********
يا محمل حمل الفقوس يا منزل حمل الفقوس
الحلوة بتجلي مثل العروس من العصر نفرش ونام
يا محمل حمل الخيار ويا منزل حمل الخيار
الحلوة بتجلي في الدار من العصر نفرش ونام
يا محمل حمل الزيت ويا منزل حمل الزيت
الحلوة بتجلي في البيت من العصر نفرش ونام
ويستمر الرجال والشباب في الدبكة والسحجة والمواويل والعتابا إلى ساعة متأخرة من يتخللها تقديم بعض المشروبات إذا توفرت في بعض الأحيان. فإذا ما انتهت التعليلة عاد كل منهم إلى بيته ليبدأ في الليلة التالية السهر والمرح.