ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تمت مناقشة كتاب “مبكر هذا يا فتى” للكاتب الأديب الدكتور “سامي الكيلاني، الصادر عن دار الفاروق في العام 2004 حيث افتتح الجلسة الروائي “محمد عبد الله البيتاوي” فقال إن هذه النصوص هي إطلالة على مشهد انتفاضة القدس التي بدأت في الثلث الأخير من العام 2000، إذ يبدو ذلك جليا من التواريخ التي ألحقها الكاتب في كل نص من نصوصه وكأنه قد أراد أن يؤرخ لمجريات الانتفاضة ولما يقوم به الاحتلال، من خلال نصه الأدبي، مما يعطي القارئ فرصة للاستمتاع بما يقرأ، وفي ذات الوقت يقف على مجريات الانتفاضة الثانية، فهي إذن نصوص تتحدث عن أحداث قاسية وموجعة عاشها الشعب الفلسطيني أثناء انتفاضته الثانية , وقد قدمها الكاتب بطريقة سلسة وبلغة أدبية جذابة، فهي نصوص لا هي بالمقالة ولا بالخاطرة ولا بالقصة القصيرة وأن حملت أحيانا بعض النفحات الشعرية , فقد جمعت سمات كل ذلك في بوتقة واحدة فأصبحت أقرب إلى النفحات الأدبية التي نقلت لنا وجع الكاتب وتألمه من تلك المشاهد، فقد كانت نصوصا شيقة وممتعة تقدم الصورة والمعلومة عن النضال الفلسطيني في تلك الحقبة , من هنا يمكننا القول أن الإبداع يستطيع أن يتجاوز المكان والزمان، وهذا ما أكده لنا الكاتب من خلال نصوصه الذي استمتعنا بها رغم ما غلفها من ألم ومعاناة وعذاب.
ثم فتح باب النقاش فتحدثت الروائية “خلود نزال” فقالت أن صورة الغلاف تتحدث عن وردة تسقط أوراقها على الأرض وتبقى راسخة في الأرض ، وكأنها تقول بأن هناك جزءا أساسيا وجميلا يسقط على الأرض لكن الأصل باق وثابت في الأرض، كما أن الألوان كانت زاهية وجميلة، بحيث تعطي راحة للمشاهد، وهذا ينطبق تماما مع مضامين وأفكار النصوص، فهي تتحدث عن صور قاسية لكن اللغة التي استخدمها الكاتب كانت لغة مميزة وجميلة، بحيث خففت من المضامين القاسية والمؤلمة، فالكتاب يمثل جزءا من تاريخ الشعب الفلسطيني ، واعتقد بأن أهم نص في هذا الكتاب هو “هذه الشرنقة” حيث تألق فيه الكاتب بكل المقاييس، على صعيد اللغة والفكرة وطريقة التقديم.
ثم تحدث الأستاذ “محمد شحادة” فقال: أن الكتاب هو عبارة عن مجموعة من الخواطر تراوح شكل وطريقة ولغة تقديمها بين قديم وجديد معاصر، فهي تتحدث عن واقعنا بما فيه من حلو ومر ومن فرح وألم، من هنا نجد المآسي والهموم،فما دام الاحتلال موجودا ستبقى الأوجاع والآلام حاضرة فينا، وأرى أن اللغة التي استخدمها الكاتب كانت لغة مميزة واستثنائية في المعاني والمضامين لأن اللغة كانت سلسة الأسلوب أقرب إلى أسلوب السهل الممتنع ذلك مما مميز هذا الكتاب ويدفع القارئ كي يقرأه أكثر من مرة، فرغم أنه قد تحدث عن مشاهد عشناها ونعرفها حق المعرفة، إلا أن المتعة كانت حاضرة والتشويق كذلك في هذا الكتاب، الذي خلا تماما من الأخطاء بكل أنواعها، أما بخصوص الغلاف فهناك ألوان زاهية وزهرة تلعب فيها الريح، لكنها راسخة في الأرض ومحتفظة بألوانها الهادئة والجميلة رغم كسرها وسقوطها على الأرض.
أما الأستاذ “سامي مروح” فقال: أن لغة الكتاب ناعمة وهادئة، ولغة قوية تجذب القارئ إليها، فالمشاهد واقعية قدمها لنا بشكل سلس وناعم وممتع، من هنا وجدت نفسي لا استطيع إلا أن أكمل كافة النصوص رغم أنها تحمل أفكارا نعرفها وعايشناها جميعا ، وقد رأيت أن هناك نصوصا كانت اقرب إلى القصة القصيرة، ويبدو أن ملاحظاتي على الكاتب قد انحصرت في ملاحظة واحدة ألا وهي أنه لم يذكر من الكتاب إلا “غسان كنفاني” وهذا يعطي أشارة إلى الأثر الذي تركه فيه الفكر والأدب اليساري، ويبقى الكتاب ممتعا ويقدم ما هو جديد في الساحة الأدبية، فليس من السهل أن يكون هناك كتاب يؤرخ الواقع ونجد فيه هذه المتعة، خاصة إذا ما أدركنا أنه يتحدث عن الألم والعذاب والشهداء أكثر من أي شيء آخر.
أما “رائد الحواري” فقال أن هذا الكتاب أشبه بوجبة خفيفة , فهناك نصوص تقترب من القصة، ومنها ما جاء بصورة شعرية ومنها ما يقترب من المقالة، لكن ما يميزها جميعا اللغة التي استخدمها الكاتب وطريقة السرد الناعمة والسلسة التي انتهجها في كتابه، فهو كتاب لا يقلد فيه أحدا ولا يستطيع أحد أن يقلده، لأن لغته لغة استثنائية، تشير إلى قدرة مميزة عند “سامي الكيلاني” الذي أرخ أحداث ومشاهد من الانتفاضة الثانية بهذا الكتاب وبهذه اللغة الأدبية الممتعة، أقول في النهاية نحن أمام كتاب ممتع رغم القسوة التي يحملها.
أما الشاعر “جميل دويكات” فقال إن “سامي الكيلاني” ابن “يعبد” أبن اليسار، ابن الأرض المتعبة، يمتعنا في هذه النصوص، يمتعنا بسردية تتحدث عن كل شيء، القيم الاجتماعية والنضالية، الأخلاقية، الإنسانية،والأدبية, لهذا نجد فيه البعد التاريخي لحال الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى لكنه جاء بطريقة أدبيةـ وليست بصيغة البيان السياسي، وهناك جانب شخصي قدمه لنا الكاتب في هذه النصوص عندما تحدث عن ذكرى استشهاد أخيه إذ لم يستطع أن يحضر مشاركة والدته في تلك الذكرى الأليمة ، وكأنه بهذا النص يخرج لنا بالألم الإنساني الذي يعتصره كأخ، ويعتصرنا نحن المتلقين، إن كنا فلسطينيين أم غير ذلك، فمشاعر الإنسانية كانت صادقة استطاع الكاتب أن يوصلها لنا من خلال اللغة التي يتقنها.
هناك نصوص تتحدث عن المرأة إن كانت أم أو أخت أم زوجة، فهو يعطي المرأة دورها ومكانتها في أحداث الانتفاضة وأيضا يرسخ فكرة أهميتها في عملية التحرر والخلاص من المحتل، هناك قصائد نثرية تحمل صورا شعرية وهذا ما جعل المجموعة مميزة واستثنائية.
هذا وقد تم تحديد الجلسة القادمة لمناقشة ديوان “نقش الريح” للشاعر “نعيم عليان” وذلك يوم 13/1/2018 في الساعة الثالثة مساءا. يمكن لمن يريد المشاركة في مناقشة الديوان أن يحصل على نسخة منه من دار الفاروق في نابلس أو من بيت الشعر في رام الله وشكرا للجميع.
المصدر: ملتقى بلاطة الثقافي